أخر الاخبار

الريف لوحة من إبداع الخالق

 البداوة وما أدراك!


     البداوة هي البساطة في أبهى صورها، هي الأخوة التي تتجلى في قلوب أهلها، هي المحبة التي لا تعرف زيفًا ولا تصنعًا.

      شخصيًا، لم أعايش حياة البادية بالشكل الذي يسمح لي أن أصفها بكل تفاصيلها، فقد نشأت في المدن، متنقلاً بينها بحثًا عن العلم تارة، وعن الرزق تارة أخرى. وعلى الرغم من أنني زرت البادية مرة وأنا طفل في الخامسة من عمري، فإنني لم أعد إليها إلا هذا العام، عندما وطأت قدماي من جديد تلك الأرض الطاهرة، أرضًا باركها أهلها وترابها.

لقد علمونا في المدن أن البادية هي مرادف للمشقة والتعب، وربطوا بين الحياة فيها وبين المصائب والأزمات، حتى أن بعضهم بلغ به الحد إلى القول: "البادية ليست للمتحضرين ولا المحظوظين". يا له من وصف مجحف! جعلنا نخشى البادية، ونهرب من زيارتها كمن يهرب من قدره.

ولكني، وكعادتي في التحدي واستكشاف الحقيقة بنفسي، قررت أن أذهب وأرى بعيني ما خُفي عني، وأتأكد بنفسي قبل أن أطلق أحكامًا. فكما قيل، "الحياة تجربة واكتشاف".

وهنا كانت المفاجأة! فالواقع كان أبعد ما يكون عن الأقاويل.

يا قوم، رأيت في البادية ما لم تره عيناي من قبل. رأيت الجبال الشاهقة، والسهول الممتدة، والأنهار الجارية، والمستنقعات، وشممت عبير الأزهار التي تملأ الطرق المؤدية إلى القرى. رأيت جمال الطبيعة وسحرها، رأيت أشجارًا كثيفة وحيوانات تعيش بحرية واطمئنان، مشهد مذهل لا يدركه إلا من عاشه.

يا قوم، شعرت براحة بال وطمأنينة قلب، وكأنني ولدت من جديد! كيف خدعونا إلى هذا الحد بوصفهم هذا المكان بالقبح والعناء؟ كيف غفلوا عن نقاء هوائه، الذي يخلو من تلك السموم التي نستنشقها يوميًا في المدن؟ هنا، لا مكان لروائح الكربون، ولا أثر للميكروبات والتلوثات التي أنهكت حياتنا الحضرية.

يا قوم، هنا يأكل الناس من نتاج أرضهم وثمار أشجارهم، يشربون من مياه أنهارهم وينابيعهم، بل ترى العيون تتفجر بين الصخور، مشهد من خلق الله الذي لا يضاهيه شيء. قارنوا ذلك بحياة المدن المسمومة بانبعاثات الغازات السامة التي تخنقنا يومًا بعد يوم.

في البادية، السماء تمطر والأرض خصبة، والثمار تنضج في وقتها. الطبيعة هنا سخية بجمالها وعطائها. في كل صباح، تصحو على تغريد العصافير، وتشاهد الحيوانات تستعد ليومها بنشاط، تنعم بالحرية في بيئتها. وفي طريقك إلى المزرعة، تبهر بجمال النباتات النادرة التي لن تجدها في أي مدينة، وترى النحل يجمع رحيق الأزهار ليصنع لك العسل النقي، ذلك العسل الذي هو شفاء للناس، لا العسل الصناعي الذي اعتدنا عليه في المدن.

وهنا تأتيك المفاجآت حتى من الحيوانات! نعم، قد تصادف حية في طريقك وأنت تعبر النهر، فطبيعة المكان تفرض على الناس التعايش مع هذه المخلوقات، وقد تجدهم يعبرون الأنهار على جذوع الأشجار أو حبال ممتدة، وكأنك في عالم بسيط لكنه ممتلئ بالحكمة والبراعة.

يا قوم، البساطة هنا تتجلى في كل شيء، حتى في البيوت التي لا تُغلق أبوابها ليلًا ولا نهارًا، فالكل آمن على نفسه وعلى جيرانه. شعرت بالدهشة عندما رأيت هذا الأمان، في حين أن في المدن، الأبواب مغلقة بالأقفال خوفًا من السرقة أو الاعتداء.

يا قوم، هنا الكل للكل. التعاون حاضر في كل خطوة، وإذا أردت بدء مشروع جديد، سرعان ما ترى الجميع يجتمع حولك، كل منهم يقدم ما يستطيع: طعامًا، مالًا، أو جهدًا. هكذا هي الحياة في مجتمع متكافل، حياة يحث عليها ديننا الحنيف، حياة الناس للناس.

قارنوا ذلك بالمدن، حيث يسود شعار "نفسي، نفسي"، وحيث نادرًا ما تجد التعاون إلا إن كان وراءه مصلحة مادية أو شخصية.

@مدونة مركز النهضة

يا قوم، الشجاعة والمروءة هي شيم أهل البادية. ترى الأطفال يقطعون المسافات الطويلة بأقدامهم نحو المزارع، يحملون معهم المسؤولية، بينما في المدن، يخشى الصبيان حتى من صوت الهاتف!

باختصار، حياة البادية أكثر هدوءًا، وأهلها يتمتعون بصحة أفضل بكثير من سكان المدن. لقد أحببت البادية حقًا، وأتمنى أن أعود إلى هذا الجمال مرة أخرى.

ما هي تجربتك الخاصة لحياة البادية ؟

الكاتب: إبراهيم باري | مركز النهضة الشبابية الافريقية

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-