خذ لنفسك من نفسك قبل ذهاب نفسك
يا من تعاني من الحزن، الألم، واليأس، إليك هذه الكلمات، فاستمع بتمعن ولا تتركها تمر عليك عبثًا. ففيها من الحكمة والفائدة ما يجعلك تقف وتتفكر. إن تأملتها حقًا، فستجد أنك مدين لله بالشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.
نحن بشر، تجمعنا الفطرة التي خلقنا عليها. لم نختر طبيعتنا، ولكن المهم أننا جميعًا نتشارك هذه الفطرية. نسعى، نطمع، نحب الدنيا بملذاتها، ونبحث عن أفراحها. ولكن، يا من تحاول امتلاك الدنيا كلها، هل توقفت يومًا لتسأل نفسك: ماذا تجني حقًا من هذه الحياة؟
أنت الذي تطمح للسفر وزيارة بلادها، وتجد فرحتك في لذاتها. أنت الذي تتلهف خلف متعها، وتسخّر جوارحك في خدمتها. أليست الدنيا قد أضلتك عن الحقيقة الكبرى؟ الحقيقة أن الدنيا دار ممر وليست دار قرار. قال الله تعالى: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله". ألم يحن الوقت لتعيد النظر في مسيرتك وتعود إلى الله؟
لقد جعلت نفسك أسيرًا لشهوات الدنيا، ونسيت أن الحياة قصيرة، أقصر بكثير مما تتصور. هي لحظة عابرة، كلمح البصر أو هو أقرب. الدنيا التي نلهث خلفها ستفنى، وكل ما نعطيه من وقت وجهد فيها سيذهب هباءً إذا لم يكن لأجل الآخرة.
تفكر في دعوة الله لنا في هذه الآية: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله". هذا النداء موجه إليك. قلبك أصبح مشغولًا بالدنيا، قاسيًا أمام ذكر الله. ألم يأن أن تعود إلى ربك وتستعيد خشوعك؟ ألم يحن أن تعمل لما هو أبقى من الدنيا؟
الدنيا ما هي إلا وسيلة، وليست الغاية. وكل ما تعطيك إياه هو فخ زائل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمًا أو متعلمًا". الدنيا ممر، ونحن مجرد عابري سبيل. فكيف تجعلها شغلك الشاغل؟
أنت من تلهث خلف الدنيا وتغرق في ملذاتها، متناسيًا أن الآخرة تنتظرك. في كل لحظة تضيعها في اللهث خلفها، تبتعد عن غايتك الكبرى. فما أعطتك الدنيا شيئًا مجانًا؛ كل لذة زائلة تكلفك الكثير، من صحتك ووقتك وحتى راحتك النفسية. وعندما تعتقد أنك وصلت إلى ما ما أسميه ب "الكمال المزيف"، تجد أنك قد خسرت في الحقيقة.
تأمل في أولئك الذين عاشوا معك، سعوا وراء الدنيا بكل ما لديهم، لكن عندما فارقوها لم يأخذوا شيئًا معهم. كل شيء تركوه وراءهم، ولم يبقَ لهم سوى أعمالهم. هل تظن أنك مختلف؟ هل تعتقد أنك ستظل خالدًا فيها؟
احفظ هذه الحكمة جيدًا: "لو كنا نعطى شيئًا بثمن، ثم يسلب منا دون استرجاع، فالأولى أن نلجأ إلى من يعطينا بلا مقابل".
الله سبحانه وتعالى هو الرزاق، يعطيك بلا حساب ولا مقابل. الدنيا تأخذ منك أكثر مما تعطي، وتتركك في النهاية فارغ اليدين. فكلما تعلقت بها، زادتك همًا وضيقًا.
لم يفتخر أحد بمعصية الله إلا وكان الندم نهايته. كل من غرق في ملذات الدنيا على حساب الآخرة، وجد نفسه في النهاية خاسرًا. إن كنت تسعى للسعادة، فالزم طاعة الله. الطمأنينة الحقيقية لن تجدها في الدنيا، بل في ذكر الله. قال الله تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب". السعادة والطمأنينة ليست في جمع المال أو الشهرة، بل في القرب من الله والإخلاص له.
النجاح الحقيقي هو في أن تخلص لله في أعمالك وتسعى لرضاه
حياتك لن تكون ذات قيمة حقيقية إلا إذا كانت موجهة نحو طاعة الله وطلب الآخرة. الدنيا قصيرة جدًا، ومهما طالت فهي إلى زوال. حان الوقت لتغيير مسارك، لتعود إلى الله بتوبة صادقة، وتعمل من أجل آخرتك قبل أن يفوت الأوان.
مهما حاولت التمسك بالدنيا، فإنها ستفلت من بين يديك في النهاية
تذكر أن كل ما تجمعه في الدنيا سيبقى هنا، لن تأخذ معك شيئًا سوى عملك الصالح. الدنيا فانية، وكل ما فيها إلى زوال. قال الله تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا". نعم، خذ من الدنيا ما تحتاجه، ولكن اجعلها وسيلة لتحقيق طاعة الله والعمل لما بعد الموت.
الدين الإسلامي هو طريق السعادة الحقيقية
ليس هناك دين أعظم وأكرم من هذا الدين الذي جاء باليسر واللين. من تمسك به نجا من عذاب الله، ومن تركه فقد أضاع حياته. الدين الإسلامي ليس عبئًا، بل هو طريق السعادة في الدنيا والآخرة. الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، ولكنه أيضًا شديد العقاب لمن تولى عن دينه.
وأخيرًا، خذ لنفسك من نفسك قبل ذهاب نفسك
لا تجعل الدنيا تلهيك عن الحقيقة الكبرى. حياتك الحقيقية ليست في الدنيا، بل في الآخرة. ردّد دائمًا: "لا عيش إلا عيش الآخرة". هذه هي الحكمة التي يجب أن تعيش بها، فالآخرة هي المستقر، والدنيا مجرد ممر عابر.
نسأل الله لنا ولك الهداية والثبات، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
الكاتب: إبراهيم باري - مدير مركز النهضة الشبابية الافريقية